فصل: (باب زكاة الثمار)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: مشاركة جماعة في ستين شاة]

إذا كان لرجل ستون شاةً، فخالط بكل عشرين منها رجلًا له عشرون شاةً، وحالَ الحولُ على الجميع.. ففيه خمسةُ أوجه.
أحدُها: يجب عليهم شاةٌ، على صاحب الستين نصفها، وعلى كل واحدٍ من خلطائه سدسُها؛ لأن مال الرجل الواحد ينضم بعضه إلى بعض بحكم الملك، ثم ينضم ذلك إلى خلطائه، فيصير كالمائة والعشرين في مكان واحدٍ، فوجب فيها شاةٌ مقسطةٌ على الأملاك.
والثاني: يجب على صاحب الستين نصفُ شاةٍ، وعلى كل واحدٍ من خلطائه نصفُ شاةٍ، وهو قول ابن الحداد، واختيار القاضي أبي الطيب بن سلمة؛ لأن مال الرجل ينضم بعضه إلى بعض بحكم الملك، وهو مخالطٌ بجميعه، فانضم مال خلطائه في حقه؛ لكونه مخالطًا لكل واحد منهم، فصارا كما لو خلط بستين شاةً رجلًا له ستون، وكل واحد من خلطائه لم يخالط إلا بعشرين.. فلم يرتفق بغيرها، ولا يرتفق واحدٌ من خلطائه بالآخرين؛ لأنه لا خلطة بينه وبينهما.
والثالث: تجب على صاحب الستين ثلاثةُ أرباع شاةٍ، وعلى كل واحدٍ من خلطائه نصفُ شاةٍ؛ لأن مال صاحب الستين ينضم بعضه إلى بعض بحكم الملك، ولا يمكن ضمه إلى كل واحدٍ من خلطائه، بل ينضم إلى مال واحدٍ منهم، فيصير كأنه مخالطٌ بستين رجلًا له عشرون، فجيب عليه ثلاثة أرباع شاةٍ، وكل واحدٍ من خلطائه لم يخالطه إلا بعشرين، فلم يرتفق بغيرها.
والرابع ـ حكاه القاضي أبو الطيب في " شرح المولدات " ـ: أنه يجب على صاحب الستين شاةٌ ونصفُ شاةٍ، وعلى كل واحدٍ من خلطائه نصف شاةٍ؛ لأن كل عشرين من غنمه منقطعة على من لم يخالطه بها، فيجب أن تكون منقطعةً في حقه أيضًا عن الأربعين التي خالط بها الآخرين، فيجبُ في كل أربعين شاةٌ، عليه نصفها.
والخامسُ ـ حكاه الشيخ أبو حامدٍ، والمحاملي، وصاحب "المهذب" ـ: أنه يجب على صاحب الستين شاةٌ، على قول من قال في الأولى: يغلب زكاةُ الانفراد؛ لأنه لا يمكن ضم ماله مع تفرقه إلى أموال خلطائه، فيجعل كأنه منفردٌ بالستين، فيجب عليه فيها شاةٌ، وعلى كل واحدٍ من خلطائه نصفُ شاةٍ.
وأما ابن الصباغ: فقال: لا يمكن هذا في هذه المسألة؛ لأنه ليس هاهنا مالٌ منفردٌ، فيغلبُ حكمه.

.[فرع: خالط غنمه مع اثنين]

وإن كان له أربعون شاةً، فخالط بكل عشرين منها رجلًا له أربعون شاةً:
فعلى الوجه الأول في الفروع قبل هذا: تجب عليهم شاةٌ، على كل واحدٍ ثلثها.
وعلى قول ابن الحداد: يجب على الذي فرق ماله ثلث شاةٍ، وعلى كل واحدٍ من خلطائه ثلثا شاةٍ.
وعلى الوجه الثالث: ينضم ماله بعضه إلى بعض، ثم ينضم إلى أحد خليطيه في حق نفسه، فيجب عليه نصف شاةٍ، وعلى كل واحدٍ من خليطيه ثلثا شاةٍ؛ لأنه لا يرتفق إلا بما خولط به.
وعلى الوجه الرابع ـ الذي قطع مال الرجل بعضه من بعض لافتراقه في الخلطة ـ: يجب عليه ثلثا شاةٍ، في كل عشرين ثلثها، وعلى كل واحدٍ من خليطيه ثلثا شاةٍ.
ويأتي على الوجه الخامس الذي حكاه الشيخُ أبو حامد في تغليب الانفراد: يجبُ على كل من فرق ماله شاةٌ، وعلى كل واحدٍ من خليطيه ثلثا شاةٍ.

.[فرع: المشاركة بنصف ما يملك]

وإن كان لرجلٍ عشرٌ من الإبل، فخالط بكل خمسٍ منها رجلًا له خمس عشرةَ من الإبل، وبالخمس الأخرى رجلًا له خمسةَ عشرَ:
فعلى الوجه الأول ـ وهو المنصوص ـ: (يجب في الجميع بنت لبون: على صاحب العشر ربعها، وعلى كل واحدٍ من خليطيه ثلاثة أثمانها).
وعلى قول ابن الحداد: يجب على صاحب العشر ربع بنت لبون، وعلى كل واحدٍ من خليطيه ثلاث شياهٍ.
وعلى قول من قطع الخمس عن الخمس الأخرى، قال: يجب على صاحب العشر شاتان، وعلى كل واحدٍ من خلطائه ثلاث شياه، وكذلك: على قول من غلب زكاة الانفراد، وهذا ضعيفٌ.
وعلى قول من ضم بعض ماله إلى بعضٍ، وضمه إلى مال أحد خليطيه، قال: يجب على صاحب العشر خمسا بنت مخاض، وعلى كل واحدٍ من خليطيه ثلاث شياهٍ.
وإن كانت له عشرٌ من الإبل، فخالط بكل خمسٍ رجلًا له عشرونَ:
فعلى الوجه الأول: يجب على الجميع حقةٌ: على صاحب العشر خمسها، وعلى كل واحدٍ من خليطيه خمساها.
وعلى قول ابن الحداد: يجب على صاحب العشر خمس حقةٍ، وعلى كل واحدٍ من خليطيه أربعة أخماس ابنة مخاضٍ.
وعلى قول من قطع أحد ماليه عن الآخر: يجب على صاحب العشرة خمسا بنت مخاضٍ، وعلى كل واحدٍ من خليطيه أربعةً أخماسِ بنت مخاضٍ.
وعلى قول من ضم مال الرجل الواحد بعضه إلى بعض، وضمه إلى أحد خليطيه: يجب على صاحب العشر ثلثا بنت مخاض، وعلى كل واحدٍ من خليطيه أربعة أخماسِ بنت مخاضٍ.
وعلى قول من غلب زكاة الانفراد: يجب على صاحب العشر شاتان، وعلى كل واحدٍ من خليطيه أربعةُ أخماسِ بنت مخاضٍ.

.[مسألة: خلطة الأعيان والأوصاف]

قد ذكرنا: أن الخلطة خلطتان: خلطة أعيان، وخلطة أوصافٍ، وهما سواءٌ في أنه يجب فيهما ما يجب على الواحد.
واختلف قول الشافعي إلى ماذا ينصرف إطلاقُ اسم الخلطة في اللغة وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والخليطان يتراجعان بينهما بالسوية»؟
فقال في القديم: (ينصرف إلى خلطة الأوصاف).
وقال في الجديد: (ينصرف إلى خلطة الأعيان).
إذا ثبت هذا: فالكلام هاهنا في أخذ الساعي الزكاة من المال، وفي التراجع.
فإن كانت الخلطة خلطة الأعيان.. أخذ منه، ولا تراجع بينهما إلا في الإبل التي يجب فيها الغنم، فإن الساعي إذا وجد في يد أحدهما خمسًا من الإبل.. أخذ منه شاةً، ويرجع على خليطه.
وإن كانت خلطة أوصافٍ، فإن كان الفرض موجودًا في مال أحدهما دون الآخر، أو كان بينهما أربعون شاةً.. فإن الساعي يأخذ الفرض من مال أحدهما، بلا خلافٍ؛ لأنه لا يمكنه غير ذلك، وإن أمكنه أن يأخذ زكاة كل واحدٍ منهما من ماله، بأن كان لكل واحدٍ مائة شاةٍ.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو قول أبي إسحاق ـ أن الساعي لا يجوز له أن يأخذ من مال أحدهما إلا شاةً؛ لأنه لا حاجة به إلى أن يأخذ ذلك من مال خليطه.
والثاني ـ وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ـ: أنه يجوز له أن يأخذ الكل من مال أحدهما بكل حالٍ؛ لأنه كالمال الواحد.
قال الشيخ أبو حامد: وهذا أشبه بمذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والأول أقيسُ.
فإذا أخذ الساعي الزكاة من غير زيادةٍ من مالِ أحدهما.. رجع على خليطه من قيمة المأخوذ بقدر ماله من المال الذي وجبت فيه الزكاة عليهما، فإن اتفقا على قيمة المأخوذ.. فلا كلام، وإن اختلفا، فإن كان للمأخوذ منه بينةٌ بقيمة ما أُخذ منه.. عمل بها، وإن لم يكن له بينةٌ.. فالقولُ قول المرجوع عليه مع يمينه؛ لأنه غارمٌ.
وإن أخذ الساعي من أحدهما أكثر من الفرض بغير تأويل، بأن أخذ من الأربعين شاتين، أو أخذ شاة ربى، أو ماخضًا، أو فحل الغنم، أو سنًا أكبر من سن الفرض.. يرجع المأخوذ منه على خليطه بحصته من قيمة الواجب، لا من الزيادة، مثل: أن يأخذ منه ابنة لبون مكان ابنة مخاضٍ، فإنه يرجع عليه من قيمة ابنة مخاضٍ؛ لأن الساعي ظلمه، فلا يرجع على غير من ظلمه.
وهكذا: لو تطوع أحدهما بتسليم ذلك.. لم يرجع على خليطه إلا من قدر الواجب لا غير؛ لأنه متطوعٌ بالزيادة.
وإن أخذ الساعي من أحدهما أكثر من الواجب بتأويلٍ، بأن أخذ الكبيرة عن الصغار، أو الصحيحة عن المراض على قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.. رجع المأخوذ منه على خليطه من قيمة ما أخذ منه؛ لئلا يؤدي إلى نقض اجتهاد الإمام.
فإن أخذ من أحدهما قيمة الفرض على مذهب أبي حنيفة.. فهل يرجع على خليطه منهما؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو قول أبي إسحاق ـ: أنه لا يرجع عليه بشيء؛ لأن القيمة لا تجزئ عندنا.
والثاني ـ وهو المنصوص في "الأم": (أنه يرجع عليه بحصته من القيمة)؛ لأنه أخذه باجتهاده، فأشبه إذا أخذ الكبيرة عن الصغار.

.[مسألة: فيما تصح الخلطة فيه]

وهل تصح الخلطة فيما عدا الماشية من الأموالِ: كالدراهم، والدنانير، وأموال التجارة، والزروع، والثمار؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (لا تأثير لها في ذلك). وبه قال مالكٌ.
ووجهه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقةٌ». وهذا عامٌ إذا كان لواحدٍ أو لاثنينِ، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والخليطان ما اجتمعا في الرعي والفحل والحوض».
فثبت: أن ما لا يوجد فيه ذلك.. لا تؤثر فيه الخلطةُ؛ ولأن الخلطة إنما تصح في جنس المال الذي يرتفق بها رب المال تارةً، ويستضر بها تارةً، وهي الماشية؛ لأنه لو كان بين ثلاثةٍ مائة وعشرون من الغنم، لكل واحدٍ أربعون.. لوجب عليهم شاةٌ وحدةٌ عند الاختلاط، ولو تفرقوا.. لوجب على كل واحدٍ شاةٌ. فهذا وجه ارتفاقهم في الخلطة.
وأما وجه استضرارهم: فلو كان بين رجلين أربعون من الغنم.. لوجب عليهما شاةٌ، ولو تفرقا.. لم يجب عليهما شيءٌ.
وأما الخلطةُ في غير المواشي: ففيها مضرةٌ على أرباب الأموال بكل حالٍ من غير ارتفاقٍ، وذلك أنه: إذا كان مال كل واحدٍ منهما أقل من نصابٍ، ويبلغان بمجموعهما النصاب.. وجبت عليهما الزكاة عند الخلطة، وإذا افترقا.. لم يجب عليهما الزكاةٌ.
ولو كان مع كل واحدٍ منهما نصابٌ، فاختلطا.. فلا مضرة عليهما في الخلطة، ولا منفعة، فلذلك لم تصح الخلطةُ في غير الماشية.
والثاني: قال في الجديد: (تصح الخلطةُ). وبه قال أحمدُ، وهو الصحيحُ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يفرق بين مجتمعٍ». وهذا عام في الماشية، وغيرها.
ولأن المؤن تخف في الخلطة، وذلك لأن في عروض التجارة يكون دكانهما واحدًا، وميزانهما وحمالهما واحدًا، وكيالهما واحدًا.
وكذلك في الزروع والثمار: يكون أكارهما واحدًا، وصعادهما واحدا، وسقاؤهما واحدًا، وما جرى هذا المجرى.. فأثرت الخلطة فيهما، كالمواشي.
إذا ثبت هذا: فإن قلنا بالقول القديم: فإن بلغ مال أحدهما نصابًا.. زكاه، وإن لم يبلغ.. لم يجب عليه الزكاة.
وإن قلنا بالقول الجديد: فلا خلاف بين أصحابنا أن خلطة الأعيان تصح بها، وهل تصح في خلطة الأوصاف؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا تصح؛ لأن الاختلاط لا يحصل.
والثاني: يصح، وهو الأصح الصحيح؛ لأن ما صح فيه خلطة الأعيان.. صح فيه خلطة الأوصاف، كالمواشي. والله أعلم وبالله التوفيق.

.[باب زكاة الثمار]

تجب الزكاة في ثمرة النخل والكرم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} الآية [البقرة: 267].
والمرادُ بالإنفاق هاهنا: الزكاة؛ لأنه قال: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267].
وإنفاقُ الخبيث ـ وهو الدون ـ في غير الزكاة يجوز، وروى عتاب بن أسيد: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الكرم: «يخرص كما يخرص النخل، فتؤدى زكاته زبيبًا، كما تؤدى زكاة النخل تمرًا». وإنما جعل النخل أصلًا، ورد إليه الكرم؛ لأنه قد كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - افتتح خيبر في سنة ستٍّ، وكان بها نخلٌ، و «كان يوجه عبد الله بن رواحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يخرصها عليهم». وكان خرص النخل عندهم مستفيضًا، ثم فتح الطائف وهوازن سنة ثمانٍ، وكان بها كرمٌ، فأمرهم بخرصها، كما يخرص النخل.

.[مسألة: وجوب الزكاة في بعض الثمار]

ولا تجب الزكاة في التفاح، والسفرجل، والمشمش، والرمان، والتين، والبطيخ، والقثاء، والخيار، والبقول، وطلع الفحال، وما أشبهها مما لا يقتات.
وقال أبو حنيفة: (تجب الزكاة في كل ما يقصد بزراعته نماء الأرض، فيجب في جميع ما تنبته الأرض إلا الحطبَ، والحشيشَ، والقصب الفارسي).
دليلنا: ما روى معاذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في الخضراوات صدقةٌ». ولأنه لا يقتات في حال الاختيار.. فلم يجب فيه زكاةٌ، كالحطب، والحشيش.
وهل تجب الزكاة في الزيتون؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (تجب فيه الزكاة). وبه قال مالكٌ، والزهري، والثوري، والأوزاعي؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} [الأنعام: 99].
ثم قال: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
وقد روي ذلك عن عمر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
فإذا قلنا بهذا: لم تجب فيه الزكاة، حتى يبلغ خمسة أوسقٍ، ولا يدخله الخرص؛ لأنه مختلطٌ بورقه، فإن كان من الزيتون الذي لا يجيء منه الزيت، وإنما يؤكل أدمًا، كالبغدادي، فإنه إذا بدا في الصلاح.. أخرج عشره زيتونًا.
وإن كان يجيءُ منه الزيت، كالشامي.. قال الشافعي رحمة الله عليه في القديم: (إن أخرج زيتونًا.. جاز؛ لأنه حالة الادخار له، وأحب أن يخرج عشره زيتًا؛ لأنه نهاية ادخاره). وحكى ابن المرزبان في جواز إخراج الزيتون وجهين. قال الشيخ أبو حامد: وهذا غلطٌ.
والثاني: قال في الجديد: (لا تجب فيه الزكاة). وبه قال ابن أبي ليلى؛ لأنها ثمرةٌ لا تقتات في حال الاختيار، فأشبهت التين.
وهل تجب الزكاة في الورس؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (تجب)؛ لما روي: (أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب إلى بني حفاشٍ بذلك).
فعلى هذا: تجب الزكاة في قليله وكثيره؛ لأنه لا يوسقُ.
والثاني: قال في الجديد: (لا تجب الزكاة)؛ لأنه لا يقتات في حال الادخار.
فإذا قلنا بهذا: فلا زكاة في الزعفران.
وإن قلنا بالأول: ففي الزعفران قولان:
أحدهما: تجب فيه الزكاة؛ لأنه طيب كالورس.
والثاني: لا زكاة فيه؛ لأنه نبتٌ لا ساق له، والورس له ساقٌ.
وهل تجب الزكاة في العسل؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (تجب فيه الزكاة)؛ لما روي: «أن قومًا أتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعشور نحلهم، وحمى لهم واديًا».
والثاني: قال في الجديد: (لا تجب فيه الزكاة)؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما بعث معاذًا إلى اليمن.. قال: «لا تأخذ العشر إلا من أربعة: من الشعير، والحنطة، والعنب، والنخل».
وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أنه قال: (لا زكاة في العسل). ولا مخالف له.
وهل تجب الزكاة في القرطم، وهو حب العصفر؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (تجب). وروي ذلك عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
فعلى هذا: لا تجب فيه الزكاة حتى يبلغ خمسةَ أوسقٍ، كسائر الحبوب.
والثاني: قال في الجديد: (لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه ليس بمقتاتٍ، فأشبه السمسم).

.[مسألة: نصاب الثمار]

ولا تجب الزكاة في ثمرة النخل والكرم، حتى يبلغ يابسه خمسة أوسق، وبه قال جابرٌ، وابن عمر، ومن الفقهاء: مالكٌ، والأوزاعيٌ، والليث، وأبو يوسف، ومحمدٌ، وأحمدُ رحمة الله عليهم.
وقال أبو حنيفة: (تجب الزكاة في كل قليلٍ وكثيرٍ، ولو كانت حبةً واحدةً.. ـ وجب عشرها).
دليلنا: ما روى أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقةٌ».
وروى جابرٌ: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا زكاة في نخلٍ ولا كرمٍ حتى تبلغ خمسة أوسقٍ».
إذا ثبت هذا: فالوسقُ: ستون صاعًا، فذلك ثلاثمائة صاعٍ، والصاعُ: أربعة أمداد، والمد: رطلٌ وثلثٌ، فذلك ألف وستمائة رطلٍ بالبغدادي، وهو ثمانمائة منٍّ؛ لما روى جابرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا زكاة في شيءٍ من الحرث حتى يبلغ خمسة أوسقٍ، والوسق: ستون صاعًا». وهل ذلك تحديدٌ، أو تقريبٌ؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه تقريبٌ، فلو نقص منه خمسة أرطالٍ.. لم يؤثر؛ لأن الوسق: حمل بعيرٍ، وذلك يزيد وينقص.
والثاني: أنه تحديدٌ. قال المحاملي: وهو الصحيح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «والوسق: ستون صاعًا». فعلم أنه تحديدٌ.
فعلى هذا: لو نقص منه شيءٌ قل أو كثر.. لم تجب الزكاةُ.

.[فرع: زكاة الثمار التي لا تجفف]

وإن كان له رطبٌ لم يجئ فيه تمرٌ، أو عنبٌ لم يجئ منه زبيبٌ.. وجبت فيه الزكاة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما سقته السماء.. ففيه العشر».
وكيف يعتبر؟ فيه وجهان:
أحدهما: يعتبر بنفسه، فإن كان يبلغ يابسه خمسة أوسقٍ.. وجبت فيه الزكاة، وإن كان لا يبلغ.. لم تجب فيه؛ لأن الزكاة تجب فيه، فاعتبر بنفسه.
والثاني: يعتبر بغيره، فيقال: لو كان بدل هذه التمرة مما يجفف في العادة.. هل كان يبلغ النصاب؟ فإن كان يبلغ النصاب.. وجبت فيه، وإلا.. فلا تجب؛ لأنه لما لم يمكن أن يعتبر بنفسه.. اعتبر بغيره، كالجناية على الحر التي لا أرش لها مقدرٌ.
قال ابن الصباغ: فعلى هذا: ينبغي أن يعتبر بأقرب الأرطاب إليه مما يجفف.
فإن قيل: فقد قلتم لا يجيء منه تمرٌ ولا زبيبٌ، ثم قلتم: يعتبر بنفسه؟
فالجواب: أنه ما من رطبٍ إلا ويجيءُ منه تمرٌ، وما من عنبٍ إلا ويجيء منه زبيبٌ، وإنما منه ما لا يقصد إلى تجفيفه؛ لقلة ما يأتي منه.

.[مسألة: أنواع التمر]

قال الشافعي: (وثمرُ النخل تختلف، فتثمر النخل، وتجد بتهامة، وهو بنجدٍ بسرٌ وبلحٌ، فيضم بعض ذلك إلى بعض؛ لأنها ثمرة عامٍ وإن كان بينهما الشهر والشهران. وإذا أثمرت في عامٍ قابلٍ.. لم يضمَّ).
وجملةُ ذلك: أن إدراك الثمرة يختلف باختلاف البلاد، فتسرع في البلاد الحارة، وتتأخر في البلاد الباردة.
فإن كان له نخيلٌ بتهامة ـ وهي مكة وحواليها ـ ونخيلٌ بنجٍد ـ وهي من ذات عرق إلى حرر المدينة ـ ففيها أربع مسائل:
إحداهن: أن يطلعا في وقتٍ واحدٍ، ثم يدركا في وقتٍ واحدٍ، فيضم بعضه إلى بعضٍ؛ لأنهما ثمرة عامٍ واحدٍ.
الثانية: أن يطلعا في وقتٍ واحدٍ، ثم يدرك شيءٌ بعد شيءٍ، فيضم بعضه إلى بعضٍ أيضًا؛ لما ذكرناه.
الثالثة: أن تطلع التهامية ويبدو صلاحها، ثم تطلع النجدية، فالبغداديون من أصحابنا قالوا: يضم بعضها إلى بعضٍ؛ لأنها ثمرة عامٍ واحدٍ، وهذا معنى قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وإن كان بينهما الشهر والشهران).
وحكاها صاحب "الإبانة" [ق\ 136] على وجهين:
أحدهما: هذا، وهو الصحيح. والثاني: لا يضم إليها؛ لأن الزكاة قد وجبت في الأولى قبل حدوث الثانية.
الرابعة: أن تطلع التهامية ويبدو فيها الصلاح وتقطع، ثم تطلع النجدية، فاختلف أصحابنا البغداديون والخراسانيون.
فقال البغداديون: تضم النجدية إلى التهامية؛ لأنهما ثمرة عامٍ واحدٍ؛ لأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة أن إدراك الثمار لا تتفق في حالةٍ واحدةٍ ووقتٍ واحدٍ.
وقال الخراسانيون: لا تضم.